سورة طه - تفسير تيسير التفسير

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (طه)


        


سؤلك: مطلوبك. مننا: أنعمنا. أوحينا: ألهمنا. اقذفيه في التابوت: ضعي فيه. فاقذفيه في اليم: فألقيه في البحر. ولتُصنع على عيني: ولتتربى برعايتي. تقر عينها: تُسر به. وفتنّاك: اختبرناك. مدْين: ببلد في شمال الحجاز معروفة إلى الآن.
{قَالَ قَدْ أُوتِيتَ سُؤْلَكَ}.
بعد أن سأل موسى ربه فأطال السؤال، وبسط حاجته، وهو لا يزال في ذلك الموقف الكريم في ضيافة ربه- من عليه ربُّه وأجابه على سؤاله، قائلا: قد اعطيتُك ما سألتَ يا موسى. ولقد سبق ان تفضّلنا عليك بمنةٍ أخرى من قبل، وذلك حين ألهمنا أُمَّك إلهاماً كريما كانت فيه حياتك، ألهمناها ان تضعَك في التابوت، (وهو صندوق صغير) ثم تلقي به في النِّيل، حتى تنجو أنتَ من فرعون، لأنه يقتل كُلَّ ذكر يولد في بني اسرائيل. وشاءت إرادتُنا أن يلقي النيل ذلك التابوت في بستانٍ لفرعون، عدوّي وعدّوك. وبينما فرعون جالس في ذلك البستان مع زوجته إذا بالتابوت يجري به الماء، فأمر فرعونُ غلمانه بإخراجه. وفتحوه، فإذا فيه صبي لطيف. فأحبّه فرعون، وأمر ان يكون تحت رعايته.
{وَأَلْقَيْتُ عَلَيْكَ مَحَبَّةً مِّنِّي وَلِتُصْنَعَ على عيني}.
وجعلتُ كل من رآك يُحبّك، ومن ثم أحبَّك فرعونُ وزوجته حتى قالت: {قُرَّةُ عَيْنٍ لِّي وَلَكَ لاَ تَقْتُلُوهُ عسى أَن يَنْفَعَنَا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَداً} [القصص: 9]. وحتى تتربَّى برعايتي وكما أُحبّ.
ورحمةً بأُمك، هيَّأتُ الظروف حتى جمعتُك بها، وكانت أُختك تمشي متتبّعةً التابوت حتى علمتْ أينَ ذهب. فجاءت متنكَرة إلى قصر فرعون حيث وجدتْهم يطلبون لك مرضعا، فقال: هل أدلُّكم على من يرضعه ويحفظه ويربيه؟ قالوا: نعم، فجاءت بأُمك، ورجعتَ إليها حتى تفرحَ وتُسَرَّ وتقر عينُها بك، ويزول عنها الحزن والقلق عليك.
وكنتَ قد قتلتَ نفساً من أهل مصر فنجّيناك مما لحقَكَ من الخوْفِ والغم، كما جاء في سورة القصص 15: {فاستغاثه الذي مِن شِيعَتِهِ عَلَى الذي مِنْ عَدُوِّهِ فَوَكَزَهُ موسى فقضى عَلَيْهِ} وهذا كما يأتي في سورة القصص: حين كبر وشبّ في قصر فرعون، ونزل الميدنةَ يوماً فوجد فيها رجلَين يقتتلان: أحدُهما من شيعته والآخر من شيعة فرعون، فاستغاثه الّذي هو من شِيعته، فوكز موسى المصريَّ بيده فسقط ميتاً. ولم يكن موسى ينوي قتله، فاغتمّ لذلك فهربَ إلى مَدْيَن، وهذا معنى قوله تعالى: {وَفَتَنَّاكَ فُتُوناً}.
اختبرناك اختباراً شديداً بالغُربة ومفارقة الأهل والوطن. وامتُحن بالخدمة ورعي الغنم، وهو ربيبُ القصور عند الملوك، وجازَ الامتحانَ ونجحَ في كل عمل عمله.
{فَلَبِثْتَ سِنِينَ في أَهْلِ مَدْيَنَ ثُمَّ جِئْتَ على قَدَرٍ ياموسى (*) واصطنعتك لِنَفْسِي}.
ونجّيناك من الهمّ الذي لحق بك فذهبتَ إلى مدين. وهناك لقيتَ شُعَيْب وتزوّجت ابنته على شرط ان ترعى له الغنم مدة، وأمضيتَها على أحسنِ حال، ثم عدتَ من مدين في الموعد الذي قدرناه لإرسالك، وقد اصفيتك لنفسي وحملِ رسالتي. وفي هذا تشريف كبير لموسى عليه السلام.


آياتي: المعجزات، منها العصا واليد البيضاء. لا تنيا: لا تقصرّا، لا تفترا. في ذكري: في تبليغ رسالتي. قولاً لينا: كلاما لطيفا لا عنف فيه ولا خشونة. ان يفرط علينا: إن يعجّل علينا بالعقوبة. والسلام على من اتبع الهدى: السلامة من العذاب لمن آمن وصدق.
بعد أن أجاب الله موسى ما سأله، شرع الكتابُ الكريم يذكر الأوامر والنواهي التي طلب اليه الله ان يقوم بتنفيذها ويؤدي الرسالة على اكمل وجه.
اذهبْ انت وأخوك إلى رفعون، مؤيدّين بمعجزاتي التي زودتك بها: العصا واليد البيضاء، وغيرها، كما قال تعالى في الآية 101 من سورة الإسراء: {وَلَقَدْ آتَيْنَا موسى تِسْعَ آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ} ولا تتهاونا في تأديه الرسالة التي حمَّلتكم إياها.
إذهبا إلى فرعون معاً وبلِّغاه الرسالة، لأنه طغى وتجبرَّ حتى ادّعى الربوبية {فَقَالَ أَنَاْ رَبُّكُمُ الأعلى} [النازعات: 24]. وكثيراً ما يخُصُّ فرعونَ بالدعوة لأنه كان متجبرا متألِّهاً، فلو أنه استجابَ للدعوة لآمنَ قومُه جميعا.
ثم أرشدهما كيف يتكونُ دعوتُهما لفرعون بقوله: {فَقُولاَ لَهُ قَوْلاً لَّيِّناً لَّعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يخشى}.
فكِّلماه بكلامٍ رقيق لين، ليكون أوقعَ في نفسه، لعلَّه يجِيب دعوتكما إلى الإيمان، ويخشى عاقبة كفره وطغيانه.
قال موسى وهارون متضرّعَين إلى الله: يا ربّنا، إننا نعرف هذا الجبّارَ المتكبر، ونخشى ان يبادرَنا بالأذى والعقوبة، أو يزدادَ طغياناً وكفرا.
وهنا يشجّعهما الله تعالى، بأنه معهما. لا تخافا من فرعون، إنني معكما بالرعاية والحفظ، أسمعُ لكل ما يجري في هذا الكون، وأُبصر ما يفعل فرعونُ وغيره، فلا يستطيع ان يُلحق بكما أذى.
اذهبا إلى فرعون فقولا له: إننا رسولان إليك من ربك، جئنا ندعوكَ إلى الإيمان به، وسنألك ان تُطلق بني إسرائيل من الأسر والعذاب. وقد أتيناكَ بمعجزةٍ من الله تشهد لنا بصدق ما دعوناك اليه، {والسلام على مَنِ اتبع الهدى}.
والسلامةُ والأمنُ نم العذاب على من اتبع رسُلَ ربه، واهتدى بآياته التي ترشد إلى الحق.
وان الله قد اوحى الينا ان عذابه الشديد واقع على من كذّبنا واعرض عن دعوتنا.


اعطى كل شيء خلقه: اتقن خلْق كل شيء واعطاه صورته وشكله. ثم هدى: ثم عرّفه كيف ينتفع بما أثعطي له. ما بالُ القرون الاولى: ما حال هؤلاء الماضين. لا يضل: لا يخطئ. مهداً: ممهدة كالفراش. وسلك لكم فيها سبلا: سهل لكم فيها طرقا. ازواجا: اصنافا. شتى: مختلفة النفع والطعم واللون. لأولي النهى: لأصحاب العقول، مفردها: نُهْية.
ذهب موسى وهارون إلى فرعون. وتقول الرواية عن ابن عباس أنهما لما جاءا إلى باب فرعون اقاما مدّةً لا يُذون لهما، ثم أُذِن لهما بعد حجاب شديد، فدخلا ودار بينهما من الحوار ما قصَّه ربنا علينا.
قال فرعون وهو جالس في طغيانه وجبروته: مَن ربكمن الذي أرسلكما يا موسى؟ قالا: ربنا الذي منح نعمةَ الوجود لكل موجود، وأودع في كل شيء صفاتِهِ الخاصة، وخلَقَه على الصورة التي اختارها سبحانه له. {ثُمَّ هدى} ثم أرشده ووجَّه لما خُلق له.
فقال فرعون يحتج بالقرون الأولى الذين لم يعبدوا هذه الإله: وماذا جرى لها؟ فاجابه موسى: {قَالَ عِلْمُهَا عِندَ رَبِّي فِي كِتَابٍ لاَّ يَضِلُّ رَبِّي وَلاَ يَنسَى}.
ان عِلْمَ هذه القرون عند ربّي، وهي من علوم الغيب، وهي مسجَّلة لديه في كتاب لا يغيب عن علمه شيء منه، ولا ينساه.
ثم عاد إلى تتميم كلامه بإبراز الدلائل على الوجود فقال: {الذي جَعَلَ لَكُمُ الأرض مَهْداً....}.
انه هو الإله المتفضّل على عباده بالوجود والحفظ، مهَّد لكم الأرضَ فبسطها بقدرته وجعلها لكم كالفراش، وشقّ لكم فيها طرقاً تسلكونها. وأنزلَ المطر عليها تجري به الأنهار فيها، فأخرج أنواعَ النبات المختلفة في ألوانها وطعومها ومنافعها.
وقال لخلقه يوجِّههم إلى الانتفاع بما أخرج من النبات، كلوا منها، وارعوا أنعامكم. إن في هذا الخلْق والإبداع والإنعام به دلائلَ واضحة، يهتدي بها أصحابُ العقول إلى الايمان بالله ورسالاته.
ثم بين سبحانه أن هذه الدنيا ومن عليها دارُ ممر، وان هناك حياةً أخرى هي الحياة الدائمة فقال: {مِنْهَا خَلَقْنَاكُمْ وَفِيهَا نُعِيدُكُمْ وَمِنْهَا نُخْرِجُكُمْ تَارَةً أخرى}.
من تراب هذه الأرض خلقَ الله آدم وذريته، وإليها يردّهم بعد الموت، ومنها يُخرجهم أحياء مرة اخرى للبعث والجزاء.
ولقد أرينا فرعون على يد موسى المعجزاتِ البينة المؤيدةَ لرسالته وصِدقه في كل ما اخبر به عن الله، ومع هذا كله تمادى فرعون في كفره، وكذّب بكل ما رأى ولم يؤمن.
قراءات:
قرأ الكوفيون: {مهدا}. والباقون: {مهادا} بالجمع.

1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6